فصل: سنة ثمان وثمانين ومائة ألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وثمانين ومائة ألف:

استهلت ووالي مصر خليل باشا محجور عليه ليس له في الولاية إلا الاسم والعلامة على الأوراق، والتصرف الكلي للأمير الكبير محمد بك أبي الذهب والأمراء وأعيان الدولة مماليكه وأشرافاته، والوقت في هدوء وسكون وأمن، والأحكام في الجملة مرضية والأسعار رخية وفي الناس بقية، وستائر الحياء عليهم مرخية شعر:
وما الدهر في حال السكون بساكن ** ولكنه مستجمع لوثوب

ومات في هذه السنة الإمام العلامة والتحرير الفهامة حامل لواء العلوم على كاهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله، من تكحلت بحبره عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى، وارتفع من حضيض التقليد إلى ذرا الفضائل، وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل، الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير، عمدة الأنام وفيلسوف الإسلام، سيدي ووالدي بدر الملة والدين ابي التدائي حسن بن برهان الدين إبراهيم ابن الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الولي الصالح شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي، وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع بأراضي الحبشة، تحت حكم الخطي ملك الحبشة، وهم عدة بلاد معروفة تسكنها هذه الطائفة، وهم المسلمون بذلك الإقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي والشافعي لا غير، وينسبون إلى سيدنا أسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكان أميرهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي المشهور الذي آمن به ولم يره وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغيبة، كما هو مشهور في كتب الأحاديث، وهم قوم يغلب عليهم التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم، ويحجون مشاة ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الأزهر بمصر، وللحافظ المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل أحوالهم ونسبهم.
ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ إسمعيل بن سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي، ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة، وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق، وأوصى عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء، ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي الذي كان يعتقده السلطان الأشرف قايتباي، وارتحل إلى بحيرة ادكو فيما بين رشيد والإسكندرية، وبنى هناك مسجداً عظيماً ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة وبساتين ونخيل كثيرة، وهو موجود إلى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر الفقير إلا أن غالب أماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها، وفيه إلى الآن بقية صالحة. وبنى أيضاً مسجداً شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به، وقد خرب وانطمست معالمه ولم يبق إلا مدفنه، وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم.
ومن كراماته التي أكرمه الله بها أنه يرى على قبره في بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير، يري ذلك سكان العمارة وغيرهم، وهو أمر مشهور، ومنها أن السفار وقوافل الأعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة ويتركونها من غير حارس ليالي وأياماً آمنين، فلا يتعدى عليها سارق البتة، ويعتقدون العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور أيضاً مقرر في أذهانهم إلى الآن.
ومنهم الإمام الحجة المجتهد الفقيه الأصولي الجدلي صاحب التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى بتبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى، وغير هؤلاء كثير ببلادهم، وبأرض الحجاز ومصر والقصد بذلك التعريف بالنسبة، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. والنجاشي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الملوك، ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب، وزوجه أم حبيبة رضي الله عنها، وجهزها من عنده، وأرسلها للنبي صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلى المدينة، ومن أراد الإطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهداياه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهدايا النبي إليه، وبعض أخبار الحبشة، وما ورد فيهم من الآيات والأحاديث والآثار، فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن الحبوش للإمام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري، خطيب المدينة المنورة ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي، وتنوير الغبش في فضائلي السودان والحبش لابن الجوزي، وفي تفسير البغوى أخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت، لما مات النجاشي كما نحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه وسلم.
ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولى أبي بكر الصديق، وهو أول من أذن الإسلام وأول من ثوب في الفجر، كما في الأوائل للسيوطي، وكان خازن رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت المال، كما في تهذيب الأسماء واللغات، وكان يبدل الشين بالسينن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه: «شين بلال سين عندي وعند الله». وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: كان أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالاً. وروى عنه كثير من كبار الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما خدامه من الحبشة الأحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من إمائه وأهل بيته.
ومنهم أم أيمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة السعدية، وثويبة وبركة جارية أم حبيبة، وبريرة مولاة عائشة رضي الله عنها وتبعة جارية أم هانئ بنت أبي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة.
ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب، وهو أول من استشهد ببدر، وكان من المهاجرين الأولين وعده النبي صلى الله عليه وسلم من سادات أهل الجنة، وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء: «مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة».
ومنهم أسلم مولى عمر بن الخطاب وأيمن الحبشي المكي والدعبد الواحد ابن أيمن، وبسار مولى المغيرة بن شعبة أخرج الحسن بن محمد الخلال في كرامات الأولياء عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا أبا هريرة يدخل علي الساعة من هذا الباب رجل من أجل السبعة الذين يدفع الله عز وجل عن أهل الأرض بهم الأذى». فإذا حبشي قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة فيها ماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة هو هذا». ثم قال: «مرحباً بيسار ثلاث مرات» وكان يرش المسجد ويكنسه، ومات في عهده صلى الله عليه وسلم.
وأما الصحابة الأحرار من الحبوش الأخيار الذين كانوا يخدمون الرسول وأصحابه وأهل بيته فكثيرون جداً لا يمكن استيعابهم في هذا الاستطراد ضبطاً وعدداً وكذلك أبناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين والخلفاء العباسيين، ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن أمية بن خلف الجمحي وعمرو بن العاص وغيرهما، مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة بالاتفاق، وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء والكرم مشهورة، والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة، وفي الحبوش أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم من جنس لقمان الحكيم، وهم أجناس منهم السحرتي والأمحري، وهم أحسن أجناس الحبوش الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول:
حبشية سألتها عن جنسها ** فتبسمت عن در ثغر جوهري

فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى ** قالت فما تبغيه جنسي أمحري

والأمحرية تفوق على السحرتية باللطف والظف والسحرتية تفوق على الأمحرية بالشدة والعنف، فبينهما عموم وخصوص مطلق، وقيل أن النجاشي منهم رضي الله عنه، ويقال أن بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفازوا بخطابه، أعني قوله لهم دونكم يا بني أرفدة منهم، ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع الدموات وبلين، ونوعان آخران وهما قمو وقتر، ونوع آخر يسمى إزاره.

.عود وانعطاف:

إن الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه وإليه ينتهي علمنا بالأجداد، هو الذي ارتحل من بلاده ووصل إلينا خبره سلفاً عن خلف، فقدم من طريق البحر إلى جدة وانتقل إلى مكة فجاور بها. وحج مراراً وذهب أيضاً إلى المدينة المنورة، فجاور بها سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الأشياخ، وتلقى عنهم ثم رجع إلى جدة وحضر إلى مصر من طريق القلزم، فدخل إلى الجامع الأزهر في أوائل العاشر، وجاور بالرواق ولازم حضور الأشياخ واجتهد في التحصيل، وتولى شيخاً على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد له. فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم الصلاح والاشتغال بطلب العلم، وتولى مشيخة الرواق كوالده، وأنجب وقرأ دروساً في الفقه والمعقول بالرواق، وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن، ولا يبيت عند عياله ليلة أو ليلتين في الجامعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لأجل الاشتغال بالمطالعة أول الليل على السهارة والتهجد آخره. ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض الليالي الشتوية فأيقظ النقيب ليسرج له سراجاً فقام من نومه متكرهاً وأخذ قنديلاً وذهب ليسرجه، فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نوراً فستر ذلك القنديل ونظر إليه من بعد لينظر من أين أتاه الأسراج، فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة يده اليمن رافعها وهي تضيء مثل الشمعة المستنير ويطالع في نورها. ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار إليه بكتمان سره، ولم يغش الشيخ بعد ذلك إلا قليلاً. وتوفي إلى رحمه الله تعالى. وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضاً على قد أسلافه في ملازمة العلم والعمل، وصار شهرة وثروة وتزوج بزينب بنت الإمام العلامة القاضي عبد الرحمن الجويني، ولم يزل مواظباً على شأنه وطريقة أسلافه حتى توفي وخلف ولديه الإمام العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر ترجمته المتوفى سنة 1097 وأخاه الشيخ عبد الرحمن ومات في حياة أخيه سنة 1086، وكان لزينب الجوينية أماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي زوجها المذكورين. ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد إبراهيم وضيعاً فكفلته والدته الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الأنصاري، فنشأ أيضاً نشوءاً صالحاً حتى بلغ الحلم، فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي، فس سنة 1108 وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف، ومات والده وعمره شهر واحد، وسن والده إذ ذاك ست عشرة سنة، فربته والدته بكفالة جدته أم أبيه المذكورة وصاية الإمام العلامة الشيخ محمد النشرتي، وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه، والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر سنين، واشتغل بحفظ المتون، فحظ الألفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن السلم والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك. واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع خادمه بطريق الأزهر فنظر إلى شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به، فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ الشرنبلالي، فتقدم إليه ليقبل يده كغيره، فنظر إليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال: من يكون هذا الغلام ومن أبوه؟ فعرفوه عنه فتبسم وقال: عرفته بالشبه. ثم وقف وقال: اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على والدي وأحب أن تقرأ علي شيئاً وأجيزك وتتصل ببننا سلسلة الإسناد، وتلحق الأحفاد بالأجداد. فامتثل إشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه متن نوح الإيضاح تأليف والده في العبادات، وكتب له الإجازة ونصها: الحمد لله الذي أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده إلى سواء طريقه وأذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنعم بطائف الأنعام وعظيمه ودقيقه، وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الهادي إلى الخير الكامل والجبر الشامل، فأصح كل أحد مغموراً في بحر فضله وجوده محفوظاً من كيد الشيطان وجنوده وتعويقه، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار. وبعد، فقد حضر لدي الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الأعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان الدين إبراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وإمام المحققين، الشيخ حسن الجبرتي الحنفي رحم الله أسلافه وبارك فيه، وقرأ على متن نور الإيضاح من أوله إلى آخره، تأليف والدي المندرج إلى رحمة الله تعالى سيدي وسندي الإمام العلامة الشيخ حسن بن عمار الشرنبلالي وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته إجازة عامة، كما أجازني به وبفقه أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه، كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي شارح نظم الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكز عن القاضي عبد البر بن الحشنة، عن المحقق الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارش الهداية عن علاء الدين السيرامي، عن السيد جلال الدين شارح الهداية، عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري، عن حافظ الدين صاحب الكنز، عن شمس الأئمة الكردري، عن برهان الدين صاحب الهداية، عن فخر الإسلام البزدوي عن شمس الأئمة السرخسي، عن شمس الأئمة الحلواني، عن القاضي ابن علي النسفي، عن الإمام محمد بن الفضل البخاري، عن عبد الله السندموني، عن الأمير عبد الله بن أبي حفص البخاري، عن أبيه المذكور، عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عن الإمام أبي يوسف، عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه، عن الإمام حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي، عن الإمام علقمة، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن أمين الوحي جبريل عليه السلام، عن الله عز وجل. وأوصى الولد الأعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى، والله تعالى يوفقه وينفع به وبعلومه ويهدينا وإياه لما كان عليه السلف الصالح في أساس الدين ورسومه. قال ذلك الفقير إلى الله تعالى حسن بن حسن السرنبلالي الحنفي في ثالث ربيع الأول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة، وقد جاوز التسعين. واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم، وحضر أشياخ العصر وتفقه على الإمام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني والدر المختار وكتاب الأشياه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح المنار لابن فرشتة، وشرح التحرير للكمال بن الهمام، وشرح الجوامع ومختصر السعد وعلى العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي، شرح الكنز للعلامة الزيلعي والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض والشنشوري على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة، وعلى الشيخ علي العقدي النفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار والقلصادي ومنظومة ابن الهائم، وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادي الحنفي ملتقى الأبحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء الله والقدوري وعقود الجمان في المعاني والبيان وايساغوجي، وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب أحمد بن مصطفى الإسكندري الشهير بالصياغ شرح الكبرى وأم البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد والكشاف والبيضاوي والشمائل والصحيحين رواية ودراية، والأربعين النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية، وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الألفية والشيخ خالد على الآجرومية والأزهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على التهذيب، وشيخ الإسلام على الخزرجية، وعلى الشيخ عيد النمرمي شرح الورقات والسمقرندية وآداب البحث والعضدية، والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة والعروض وأعمال المناسخات والكسورات والأعداد الصم والغربال والمساحة والحساب، وعلى الشيج شلبي البراسي تلخيص المفتاح والمطول والتجويد، وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير المكودى على الألفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجاماي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول، وعلى الشيخ أحمد العمادي شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى، وشرح مختصر السنوسي والكافي ونوادر الأصول والجامع الصغير وشرح المقاصد، وعلى الشيخ حسن المدابغي الأشموني على الألفية، وشرح المراح وقواعد الأعراب والمعغنى، وعلى الشيخ الملوى شرحه على السلم وشرح معراج الغيطي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة والمسلسلات والمسندات، وحضر أيضاً دروس الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وأبو العز العجمي وغيرهما، وجد في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول، وبالسنانية ببولاق. وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب عندما كان النيل ملاصقاً لسدته فساكنها مدة، فكان يغدو إلى الجامع ثم يعود إلى بولاق وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود إلى السنانية فيملي هناك درساً ثم احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف يه أشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم، فانتقلت إلى مصر وكانوا يذهبون إلى مكان لها بمصر العتيقة في أيام النيل بقصد النزهة، وهي التي أعانته على تحصيل العلوم، اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة، وكانت جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات، ووقف عليه أماكن، ومنها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الأقبغاوية ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لإقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة، وربعة تقرأ في كل يوم، وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان، وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والأيتام والفقراء في عيد الأضحية. وتزج بجدته المذكورة بعد موت جده الأمير علي أغا باش اختيار متفرقة المعروف بالطورى، وتزووج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح، وكانت إذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات. ولما مات لي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين، تقلد ذلك بعده المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقيه عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه حتى مات بعد مدة طويلة، وأرسل خادماً له يسعى سليمان الحصافي جربجياً على قلعة المويلح، فقتلوه هناك فتكدر لذلك، وترك هذا الأمر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الاشتغال، وماتت زوجته بنت الأمير علي أغا المذكور في حياة أبيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد، وهم بيت مجد وثروة ببولاق، ولهم أملاك وعقارات وأوقاف، ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل النيل وآخر تجاه جامع مزره جربجي، وهو سكن رمضان جلبي المذكور، وكان إنساناً حسناً رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة. وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول، وبالسنانية ببولاق. وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب عندما كان النيل ملاصقاً لسدته فساكنها مدة، فكان يغدو إلى الجامع ثم يعود إلى بولاق وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود إلى السنانية فيملي هناك درساً ثم احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف يه أشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم، فانتقلت إلى مصر وكانوا يذهبون إلى مكان لها بمصر العتيقة في أيام النيل بقصد النزهة، وهي التي أعانته على تحصيل العلوم، اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة، وكانت جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات، ووقف عليه أماكن، ومنها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الأقبغاوية ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لإقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة المذكورة، وربعة تقرأ في كل يوم، وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من ليالي رمضان، وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والأيتام والفقراء في عيد الأضحية. وتزج بجدته المذكورة بعد موت جده الأمير علي أغا باش اختيار متفرقة المعروف بالطورى، وتزووج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح، وكانت إذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات. ولما مات لي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين، تقلد ذلك بعده المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقيه عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه حتى مات بعد مدة طويلة، وأرسل خادماً له يسعى سليمان الحصافي جربجياً على قلعة المويلح، فقتلوه هناك فتكدر لذلك، وترك هذا الأمر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الاشتغال، وماتت زوجته بنت الأمير علي أغا المذكور في حياة أبيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد، وهم بيت مجد وثروة ببولاق، ولهم أملاك وعقارات وأوقاف، ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل النيل وآخر تجاه جامع مزره جربجي، وهو سكن رمضان جلبي المذكور، وكان إنساناً حسناً رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة.
ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة. وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة إحدى وخمسين، وكانت به بارة وله مطيعة. ومن جملة برها له وطاعتها أنها كانت تشتري له من السرارى الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن له، وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك، وكان يتزوج عليها كثيراً من الحرائر ويشتري الجواري فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة. ومن الوقائع الغريبة أنه لما حج المترجم في سنة ست وخمسين: واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة، الوصي بأن يشتري له جارية بيضاء تكون بكراً دون البلوغ، وصفتها كذا وكذا، فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجواري لينقي منهن المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض، فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى يرسلاه مع من أوصاه بإرسالها صحبته. فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من الزوادة، ونحو ذلك، فقالت له: إني أحبيت هذه الوصيفة حباً شديداً ولا أقدر على فراقها، وليس لي أولاد، وقد جعلتها مثل ابنتي، والجارية بكت أيضاً وقالت لا أفارق سيدتي ولا أذهب من عندها أبداً. فقال: وكيف يكون العمل؟ قالت ادفع ثمنها من عندي واشتري أنت غيرها، ففعل. ثم إنها أعتقتها وعقدت عليها وجهزتها وفرشت لها مكاناً على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت ضرتها وولدت له أولاداً. فلما كان في سنة اثنتين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت إلى مولاتها وكانت في حالة غطوسها، فبكت، وزاد بها الحال وماتت تلك الليلة، فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها، آخر الليل وجستها بيدها وصارت تقول: إن قلبي يحدثني أنها ماتت ورأيت في منامي ما يدل على ذلك، فلما تحققت ذلك قامت وجلس وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها، ورجعت إلى فراشها ودخلت فيسكرات الموت وماتت آخر النهار، وخرجوا بجنازتها أيضاً في اليوم الثاني. وهذا من أعجب ما شاهدته ورأيته ووعيته، وكان سني إذ ذاك أربع عشرة سنة. واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على عبد الله أفندي الأنيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك، وأجازه الكتبة وأذنوه أن يكتب الإذن على اصطلاحهم، ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندي النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها، وكتب الديواني والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسي والتركي حتى أن كثيراً من الأعاجم والأتراك يعتقدون أن أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم. وفي سنة أربع وأربعين اشتغل بالرياضيات، فقرأ على الشيخ محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المراديني والمجيب والمقنطر، ونتيجة اللادقي والرضوانية والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط، وإلى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي. وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والارتفاع والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل، وخالط أرباب المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف، وحل الرموز وفتح الكنوز، واستخرج نتائج الدر اليتيم والتعديل والتقويم، وحقق أشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط، والزيج والمحلولات وحركات التداوير والنطاقات، والتسهيل والتقريب والحل والتركيب، والسهام والظلال ودقائق الأعمال، وانتهت إليه الرياسة في الصناعة وأذعنت له أهل المعرفة بالطاعة، وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشتري، وشهد له الطوسي والأبهري وتبوأ من ذلك العلم مكاناً علياً وزاحم بمنكبه العيوق والثريا، وقدم القدوة العلامة والحكيم الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي، وكان متضلعاً من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية، فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة، مثل الشيخ الوسمي والشيخ أحمد الدمنهوري، وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم فذهب إليه للأخذ عنه، فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته عليه، فلم يزل به حتى نقله إلى داره وأفرد له مكاناً وأكرم نزله وقام بأوده، وطالع عليه الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري، وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والميبدى قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس في الهندسة وتحرير إقليدس والمتوسطات والمبادئ والغايات والأكر وعلم الارتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك. ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الإلهية وكان من الواصلين فهيا، فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الاشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس، وكان يحكي عنه أموراً وعبارات وإشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء، ولم يزل عنده حتى عزم على الرحلة وسافر إلى بلاده. وقدم إلى مصر الإمام العلامة الشيخ محمد الغلاني الكشناوي وسكن بدرب الأتراك فاجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق، وقرأ عليه شرح منظومة الجزنائية للقوصوني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك، وسافر الشيخ إلى الحج وجاور هناك، فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده، وكمل عنده غالب مؤلفاته، ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته، ولقي المترجم في حجاته الشيخ النخلي وعبد الله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندي والسيد محمد السقاف وغيرهم، وتلقى عنهم وأجازوه وتلقوا هم أيضاً عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندي طريق السادة النقشبندية والأسماء الإدريسية. التبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين الأبهري، وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والميبدى قراءة بحث وتحقيق وأشكال التأسيس في الهندسة وتحرير إقليدس والمتوسطات والمبادئ والغايات والأكر وعلم الارتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك. ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الإلهية وكان من الواصلين فهيا، فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الاشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس، وكان يحكي عنه أموراً وعبارات وإشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء، ولم يزل عنده حتى عزم على الرحلة وسافر إلى بلاده. وقدم إلى مصر الإمام العلامة الشيخ محمد الغلاني الكشناوي وسكن بدرب الأتراك فاجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق، وقرأ عليه شرح منظومة الجزنائية للقوصوني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك، وسافر الشيخ إلى الحج وجاور هناك، فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده، وكمل عنده غالب مؤلفاته، ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته، ولقي المترجم في حجاته الشيخ النخلي وعبد الله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندي والسيد محمد السقاف وغيرهم، وتلقى عنهم وأجازوه وتلقوا هم أيضاً عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندي طريق السادة النقشبندية والأسماء الإدريسية.
وهذه صورة إجازة الشيخ عمر بن أحمد بن عقيل ومن خطه نقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، خصوصاً أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته أجمعين: وبعد، فإن مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص، أن الباحث عن السنة الغراء لاتباع هدى سيد الأنبياء، الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء، هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع إلى المقام الأعلى، ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا ما يتداول منها إلا التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل الزمان والناد، فذو الهمة هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله الذين عليهم مغناه، ألا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل إلى أعلى محل سيدنا وأستاذنا الشيخ حسن بن المرحوم إبراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده الله بالمدد الإلهي، فطلب من هذا الفقير أن أجيزه، فلما لم أجد بداً من الامتثال قلت سائلاً التوفيق في الأول والفعال: أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى السطور، أجزل الله تعالى له الأجور، ما يجوز لي وعني روايته منن مقروء ومسموع وأصول وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الألفاظ وسير الرجال والديانة، حسبما أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة، ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدي لأمي بعد أن قرأت عليه جانباً كبيراً من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق، وغيره من الشيوخ أهل التوفيق، وقد سمع مولانا الشيخ حسن مني أوائل البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت بي روايته متى أراد، رفع سند أو كتاب لمن هو منن أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه في غنية عن ذلك، ولكن جرت العادة بأخذ الأكابر عن الأصاغر تكثيراً لسوادنا، فهي سنة الأوائل والأواخر. وكذلك أجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة: اللهم صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كما لله، حسبما أجازني بها مولانا الشيخ طاهر ابن الملا إبراهيم الكوراني عن شيخه حسن المنوفي مفتي الحنفية بالمدينة سابقاً عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي، عن بعض أجلاء شيوخه، وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين، وبالمواظبة عليها يظهر نتائج فتحها خصوصاً لمبتغي هذا العلم المجد في طلبه من ذويه، نفعه الله تعالى بالعلم وجعله من أهليه، وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الأجور، بالأسماء الأربعينية الإدريسية السهروردية بقراءتها وإقرائها لخل صادق إن وجد، كما أجازني بذلك جملة من الشيوخ، وقد اتصل سندي بها أيضاً عن مولانا وسيدنا الأمجد مولانا الشيخ أحمد بن محمد النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي، وهو يرويها عن الشيخ حجازي الدير بي عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي، وأجازه شيخه أيضاً بشرحها للشيخ عثمان النحراوي: قال الشيخ عثمان: أجازني بالأسماء الإدريسية العظام الشيخ كمال الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوي، عن السييد صبغة الله أحمد، عن السيد وجيه الدين العلوي، عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد الغوث، عن الحاج حصور، عن أبي الفتح هدية الله سيرمست، عن الشيخ قاضن الستاري، عن الشيخ ركن الدين حينوورى، عن الشيخ يابوتاج الدين، عن السيد جلال الدين البخاري، عن الشيخ ركن الدين أبي الفتح، عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل، عن الشيخ أبي البركات بهاء الدين زكريا، عن شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردي، عن سيدي وجيه الدين المعروف بعمويه، عن الشيخ أحمد أسود الدينوري، عن الشيخ ممشاد الدينوري، عن الشيخ أبي القاسم الجنيد البغدادي، عن خاله سري السقطي، عن الشيخ معروف الكرخي، عن الشيخ داود الطائي، عن الشيخ حبيب العجمي، عن سيد التابعين حسن البصري، عن إمام المشارق والمغارب سيدنا علي بن أبي طالب، عن سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه وصفيه وخليله النبي الرسول الحاوي لجميع الكمالات الأصلية والفرعية الجامع لكل الصفات السنية والمراتب العلية، المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق، سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه وسلم، قال ذلك بفمه وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف بأعلوى حفيد مولانا الشيخ عبد الله بن سالم البصري غفا الله تعالى عنهم أجمعين، سائلاً من الشيخ المذكور أن لا ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته وجلواته وحركاته وسكناته، وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى وكمال الاستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد، وأسأل الله تعالى الكريم المنان أن يوفقني وإياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل، ويجعلنا من العلماء العاملين والهداة الراشدين، وأن يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين. وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم وشاركهم وشاركوه، مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ إبراهيم الزمزي وحس أفندي قطعة مسكين، وأحمد أفندي الكرتلي والأستاذ عبد الخالق بن وفي، وكان خصيصاً به وأجازه بالأحزاب، وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج الوفائي، والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ علي بندق الشناوي الأحمدي، وكثير من المشايخ الأزهرية مثل السيد محمد البنوفري والشيخ عمر الإسقاطي والشيخ أحمد الجوهري والشيخ أحمد الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدي والشيخ إبراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودي محشي ملا مسكين وغيرهم من الأكابر والأخيار وأهل الأسرار والأنوار، حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالإجلال العيون وعلا شأنه على علماء الزمان، وتميز بين الأقران وأذعنت له أهل الأذواق وشاع ذكره في الآفاق، ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية، وأتوا إليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته، فمنهم من ينفر بعد إتمام نسكه وبلوغ أمنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته، وكان رحمه الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للواردين، يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي مناه والمقتفي جدواه، والراغب أقصى مرماه، مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة، وعدم رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى، مع حسن الأخلاق والصفات التي سجدت لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن النقائص والرذائل وقوراً محتشماً مهيباً في الأعين معظماً في النفوس محبوباً للقلوب لا يعادي أحداً ولا يخاصم على الدنيا، فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من الأشياء، وأما مكارم الأخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم الغيظ والانبساط إلى الجليل والحقير، كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك، ولا يرى لنفسه مقاماً أصلاً ولا يعرف التصنع في الأمور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على التلاميذ والطلبة، ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد، وله منزلة عظيمة في قلوب الأكابر والأمراء والوزراء والأعيان، ويسعون إليه ويذهب إليهم لبعض المقتضيات والشفاعات، ويرسل إليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها، وله عندهم محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الأشياخ لمعرفته بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من المزايا والأسرار والمعارف المختص بها دون غيره، وخصوصاً أكابر العثمانيين والوزراء وأهل العلوم والفضلاء منهم، مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور وغيرهم، ويأتون إليه أحياناً في التبديل. وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك. وكان بينه وبين الأمير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة، وحج في أيام إمارته على الحج مرافقاً له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله، ولم يصله منه سوى ما كان يرسله إليه على سبيل الهدية، وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقاً من أسفل وكثير الدرج، فعالجه إبراهيم كتخدا على أن يشتري له أو يبني له داراً واسعة فلم يقبل، وكذلك عبد الرحمن كتخدا، وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من الأزهر، وآخر بالإبزارية بشاطئ النيل، ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه. وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم، فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته، وكان يقتني المماليك والعبيد والجواري البيض والحبوش والسود ومات له من الأولاد نيف وأربعون ولداً ذكوراً وإناثاً كلهم دون البلوغ، ولم يعش له من الأولاد سوى الحقير وكان يرى الاشتغال بغير العلم من العبثيات، وإذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه وأكرمه وخصوصاً إذا كان غريباً، وربما دعاه للمحاورة عنده، وصار من جملة عياله، ومهم من أقام عشرين عاماً قياماً ونياماً لا يتكلف إلى شيء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من غير ملل ولا ضجر. وأنجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة مثل الشيخ أحمد الراشدي والشيخ إبراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الإتقان الخياط والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة أحمد العروسي والشيخ إبراهيم الصيحاني المغربي، والطبقة الأخيرة التي أدركناها مثل الشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني. وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن اسعميل النفراوي والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوي، وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده ليلاً ونهاراً، وخصوصاً الشيخ محمد النفراوي والصبان ومحمد أفندي النيشي والفرماوي والشيخ محمد الأمير والشيخ محمد عرفة. فإنهم كانوا بمنزلة أولاده وخصوصاً الأولين، فإنهما كانا لا يفارقانه إلا وقت إقراء دروسهما وكان يباسط أخصاءه منهم ويمازحهم ويروحهم بالمناسبات والأدبيات والنوادر والأبيات الشعرية والمواليات والمجونيات والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة، وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة فيقطعون الأوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى للمفاكهة والمباسطة والنوادر الأدبية. ومن الملازمين على الترداد عليه والأخذ عنه الشيخ محمد الجوهري والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه السيد عثمان والسيد محمد. وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوي تلقى شرح الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيراً من المسائل الحكمية. ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم: اصبروا مكانكم حتى أذهب إلى من هو أعرف مني بذلك وأعود إليكم. ويأتي إلى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة، ويقوم في الحال فيرجع إلى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والإنصاف. وقد تكرر منه ذلك غير مرة، وكان يقول عنه لم نر ولم نسمع من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد إيمانه إلا هو رحم الله الجميع. وممن تلقى عنه من أشياخ العصر العلامة الشيخ محمد المصيلحي والعلامة الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد المسودي والشيخ أحمد بن يونس، والشيخ محمد الهلباوي والشيخ أحمد السجاعي لازمه كثيراً وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية، وألف في ذلك متوناً وشروحاً وحواشي. وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون، وأجل الحجازيين الشيخ إبراهيم الزمزي. وأما ما اجتمع عنده وما اقتناع من الكتب في سائر العلوم فكير جداً قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم. وكان سموحاً بإعارتها وتغييرها للطلبة، وذلك كان السبب في إتلاف أكثرها وتخريمها وضياعها، حتى أنه كان أعد محلاً في المنزل ووضع فيه نسخاً من الكتب المستعملة التي يتداول علماء الأزهر قراءتها للطلبة مثل الأشموني وابن عقيل والشيخ خالد وشروحه والأزهرية وشروحها والشذور، وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى، وكتب المنطق والاستعارات والمعاني، وكذلك كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك، فكانوا يأتون إلى ذلك المكان ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من يهمل التغيير فتضيع الكراريس، ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره، ومنهم من يهمل آخر الكتاب ويتفق أن الاثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة، ولا بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة، وخصوصاً في أواخر الكتب عندما تفتر هممهم. وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الأوضاع؟ واقتنى أيضاً كتباً نفيسة خلاف المتداولة، وأرسل إليه السلطان مصطفى نسخاً من خزائنه وكذلك أكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر، واجتمع لديه من كتب الأعاجم مثل الكلستان ويدوان حافظ وشاه نامه وتواريخ العجم وكليلة ودمنة ويوسف زليخا وغير ذلك، وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتني بوضعها حسن أفندي الروزنامجي بيد رضوان أفندي الفلكي كما تقدم في ترجمتها. ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركت وكذلك غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحلق الأرصاد والاسطرلابات والأرباع والعدد الهندسية، وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية والملجدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم، ويجتمع به كل متقن وعارف في صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكناً عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي أفندي رضوان وكان من أرباب المعارف في كل شيء، ومحمد أفندي الإسكندراني والشيخ محمد الأقفالي وإبراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني، وكان فريداً في صناعة التراكيب والتقاطير واستخراج المياه والأدهان وغير هؤلاء ممن رأيت، ومن لم أر وحضر إليه طلاب من الإفرنج وقرأوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم وآلاتهم أشياء نفيسة، وذهبوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت، وأخرجوه من القوة إلى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الأثقال واستنباط المياه وغير ذلك. وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في أماكن كثيرة ومساجد شهيرة، مثل الأزهر والأشرفية وقوصون، ومشهد الإمام الشافعي والسادات. وفي الآثار مناه ثلاثة واحدة بأعلى القصر وأخرى على البوابة، وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقي منها قطعة وكسر باقيها، فراشو الأمراء الذين كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الأطعمة السفر وكذلك بورد أن بالتماس مصطفى أغا الورداني وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جربجي الرزاز رحمه الله، ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الاشتغال بذلك وأحال الطلاب عليهم، فإذا كان الطالب من أبناء العرب تتقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن إسمعيل النفراوي، وإن كان من الأعاجم والأتراك تقيد بمحمود أفندي النيشي. واشتغل هو بمدارسة الفقه وإقرائه ومراجعة الفتاوى والتحري في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية، وانكب عليه الناس يستفتونه في وقائعهم ودعاويهم. وتقرر في أذهانهم تحريه الحق والنصوص، حتى أن القضاة لا يثقون إلا بفتواه دون غيره، وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي، فانفتحت قريحته وراج أمره وترشح بعده للإفتاء. وكان المترجم لا يعتني بالتأليف إلا في بعض التحقيقات المهمة، منها نزعة العينين في زكاة المعدنين، ورفع الأشكال بظهور العشر في العشر في غالب الأشكال، والأقوال المعربة عن أحوال الأشربة، وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف الأول من ذوي الأرحام، والوشي المجمل في النسب المحمل، والقول الصائب في الحكم على الغائب، وبلوغ الآمال في كيفية الاستقبال، والجداول البهية برياض الخزرجية في علم العروض، وإصلاح الأسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار، ومآخذ الضبط في اعتراض الشرط على الشرط، والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية، والعجالة على أعدل آلة، وحقائق الدقائق على دقائق الحقائق، وأخصر المختصرات على ربع المقنطرات، والثمرات المجنية من أبواب الفتحية، والمفصحة فيما يتعلق بالأسطحة، والدر الثمين في علم الموازين، وحاشية على شرح قاضي يزادة على الجغميني لم تكمل، وحاشية على الدر المختار لم تكمل، ومناسك الحج، وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية في الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده، وأمثله وبراهين هندسية شتى. وما له من الرسومات المخترعة والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة الجهات والسمت والانحرافات بأسهل مأخذ وأقرب طريق، والدائرة التاريخية وبركار الدرجة. واتفق أنه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها، وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الأموال، وفسد على الصناع تقليدهم الذي درجوا عليه، فعند ذلك تحركت همة المترجم لتصحيح ذلك، وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين، وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار والقرسطونات، ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي، وصرف على ذلك أموالاً من عنده ابتغاء لوجه الله، ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل الشيخ علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم، وبين لهم ما هم عليه من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك، وأطلعهم على سر الوضع والصنعة ومكنونها، وأحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن إصلاحه، وأبطلوا ما تقادم وضعه وفسدت لقمه، ومراكزه وقديوا بصناعة ذلك الأسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان، حتى تحررت الموازين وانضبط أمرها وانصلح شأنها. وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين بإقامتها، واستمر العمل في ذلك أشهراً، وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا هو ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة، المشار إليها بقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ}. ولما وصل إلى مصر الشيخ إبراهيم بن أبي البركات العباسي البغدادي الشهير بابن السويدي في سنة 1175، وكان إماماً فاضلاً فصيحاً مفوهاً ينظم الشعر بالإملاء ارتجالاً في أي قافية من أي بحر من غير تكلف، فأنزله المترجم وأكرمه واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات. واتفق أنه تمرض أياماً فأقام بمنزل بولاق المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه، فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه، فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة، كلها مدائح في المذكور والرياض والزهور، والكوثر والسلسبيل وجريان النيل، وتركت بحالها وذهبت كغيرها. وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لأبي أبو الفلاح علي وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة. فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب إلى بولاق وغيرها، ونقل العيال من هناك ولازم البيت الذي بالصنادقية، واقتصر عليه، وفتر عن الحركة إلا في النادر. وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحري والمراجعة والاستنباط والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات لتحقيقات والفوائد. وتلقي الوافدين وإكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ االقاصد المرام، ومراعاة الأقارب والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الأخلاق مع الخلان والأصحاب والرفاق، ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم إيناسه، ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله، ويلاحظ السنة في أفعاله. ومن أخلاقه أنه كان يجلس بآخر المجلس على أي هيئة كان بعمامة وبدونها، ويلبس أي شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة أو شال كشميري أو محزم، ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق، وكان أكثر نومه وهو جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر، ينام أول الليل ويقوم آخره، فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر، فيصلي الصبح ويجلس كذلك إلى طلوع الشمس، فيضطجع قليلاً أو ينام وهو جالس مستنداً، وهذا دأبه على الدوام. ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان، ولا يقول إني صائم وربما ذهب بعض الأعيان أو دعي إلى وليمة فيأتون إليه بالقهوة والشربات، فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الأكل، ويضايع ذلك بالمؤانسة والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين. وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر عقولهم عظيمة الهيبة في نفوسهم وقوراً محتشماً ذا جلال وجمال. وسمعت مرة شيخنا سيدي محموداً الكردي يقول: أنا عندما كنت أراه داخلاً في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل إلى رواقنا ونظر إليه من داخل، وأسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي، فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الأشياخ، فلما تكرر علي ذلك أخبرت الأستاذ الحنفي فتبسم وقال لي نعم إنه صاحب أسرار. وكان مربوع القامة ضخم الكراديس أبيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة، يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه. ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعدما طلعت من مشرق الإقبال، وتعلل اثني عشر يوماً بالهيضة الصفراوية، فكان كلما تناول شيئاً قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع إلى أن اقتصر على المشروبات فقط، وهو مع ذلك لا يصلي إلا من قيام. ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة السنوسية كذلك، ثم الاسم العشرين من الأسماء الإدريسية وهو: يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه، هكذا كان دأبه ليلاً نهاراً، حتى توفي يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة، وجهز في صبحة يوم الأربعاء وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل جداً، ودفن عند أسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب الشربيني، ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة. ن داخل، وأسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي، فأتعجب لما يداخلني من هيبته دون غيره من الأشياخ، فلما تكرر علي ذلك أخبرت الأستاذ الحنفي فتبسم وقال لي نعم إنه صاحب أسرار. وكان مربوع القامة ضخم الكراديس أبيض اللون عظيم اللحية منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة، يهابه كل من يراه ويود أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه. ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة إلى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعدما طلعت من مشرق الإقبال، وتعلل اثني عشر يوماً بالهيضة الصفراوية، فكان كلما تناول شيئاً قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع إلى أن اقتصر على المشروبات فقط، وهو مع ذلك لا يصلي إلا من قيام. ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة السنوسية كذلك، ثم الاسم العشرين من الأسماء الإدريسية وهو: يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه، هكذا كان دأبه ليلاً نهاراً، حتى توفي يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة، وجهز في صبحة يوم الأربعاء وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل جداً، ودفن عند أسلافه بتربة الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب الشربيني، ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة.
ومات الإمام العلامة الفقيه المعمر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي، كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الإمام الشافعي والشيخ أحمد البنوفري والشيخ سليمان المنصوري وغيرهم، وتصدر رضي الله عنه لرؤيا رآها، وكان يخبر بها من لفظه، وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادي والشيخ أحمد البنوفري، والشيخ سليمان المنصوري وغيرهم وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الأزهر مدة سنين، ثم تولى مشيخة إفتاء الحنفية بعد موت الشيخ حسن المقدسي. وكان إنساناً حسناً دمث الأخلاق حسن العشرة صافي الطوية عارفاً بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الأسواق والقهاوي، وكان إخوانه من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم، ولم يزل حتى توفي في سحر ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله.
ومات الإمام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الأصولي الورع الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدي الشافعي الأزهري، ولد بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118، وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده، وقدم الأزهر فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ مصطفى العشماوي، وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمري، وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وسيدي محمد الصغير، وله شيوخ كثيرون. ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو أحد أصحابه من الطبقة الأولى، ولم يزل محافظاً على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الأزمان السالفة والأيام الماضية، وله شيوخ كثيرون. وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره بذلك واعتني بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحاً، وكان حسن التلاوة للقرآن حلو الأداء مع معرفته بأصول الموسيقى، ولذلك ناطت به رغبة الأمراء فصلى إماماً بالأمير محمد بك ابن إسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس، حتى أن كثيراً منهم يود أن يسمع منه خرباً من القرآن فلا يمكنه ذلك، ثم أقلع عن ذلك وأقبل على إفادة الناس فقرأ المنهج مراراً وابن حجر على المنهاج مراراً، وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة، فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الأزهر، ثم انتقل إلى زاوية قرب المشهد الحسيني، وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك، وقد انتفع به كثير من الأعلام، ولما بنى المرحوم محمد بك أو الذهب المدرسة تجاه الجامع الأزهر في هذه السنة راوده أن يكون خطيباً بها فامتنع، فألح عليه وأرسل له صرة فيها دنانير لها صورة، فأبى أن يقبل ذلك ورده فألح عليه، فلما أكثر عليه خطب بها أول جمعة وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرهاً، ورجع إلى منزله محموماً، يقال فيما بلغني أنه طلب من الله أن لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضاً إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة، وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوي ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله. وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتئ الجبهة ولا يلبس زي الفقهاء ولا العمامة الكبيرة، بل يلبس قاووقاً لطيفاً فتلي ويركب بغلة وعليها سلخ شاة أزرق. وأخذ كتبه الأمير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها.
ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني، حصل في مباديه شيئاً كثيراً من العلوم ومال إلى فن الأدب، فمهر فيه وتنزل قاضياً في محكمة باب الشعرية بمصر وكان إنساناً حسناً بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات، وشعره حسن مقبول وله قصائد ومدائح في الأولياء وغيرهم أحسن فيها، ولم أعثر على شيء منها، وجدد له شيخنا السيد مرتضى نسبة إلى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان. توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة، وقد جاوز السبعين رحمه الله.
ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن المالكي الأزهري، قرأ على الشيخ علي العدوي وبه تخرج، وحضر غيره من الأشياخ ومهر في الفقه والمعقول، وألقى دروساً بالأزهر ونفع الطلبة، وكان ملازماً على قراءة الكتب النافعة للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد والأزهرية والشذور، وحلقة درسه عظيمة جداً وكان لسانه أبداً متحركاً بذكرى الله. توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الأول من السنة، ودفن بالمجاورين.
ومات الشيخ الإمام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن أحمد ابن سالم أبو عبد الله السفريتي النابلسي الحنبلبي، ولد كما وجد بخطه سنة 1114 تقريباً بسفارين وقرأ القرآن في سنة إحدى وثلاثين في نابلس، واشتغل بالعلم قليلاً وارتحل إلى دمشق سنة ثلاث وثلاثين، ومكث بها قدر خمس سنوات، فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله إلى آخر قراءة تحقيق، والإقناع للشيخ موسى الحجازة، وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم، وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل، فمنها ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها، وكان يكرمه ويقدمه على غيره، وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس وثلاثين، وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الأربعين النووية وثلاثيات البخاري والإمام أحمد، وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف، وأجازه عموماً بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها، وكتب له إجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته، وعلى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخاري، وحضر دروسه العامة، وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئاً من رسائل أخوان الصفا، وعلى ملا الياس الكوراتي كتب المعقول، وعلى الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة إقامته بدمشق، وثلاثيات البخاري وبعض ثلاثيات أحمد وشيئاً من الجامع الصغير مع مراجعة شرحه للمناوي والعلقمي، وشيئاً من الجامع الكبير وبعضاً من كتاب الإحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي والأندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها، وبعضاً من شرح شذور الذهب وشرح رسالة الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس، وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته، وعلى الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى، وشرح الكافية لملا جامي وشرح القطر للفاكهي، وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي، وقد أجازه بكل ذلك إجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي بعضاً من شرح ألفية لعراقي لزكريا وأول سنن أبي داود، وعلى قريبه الشيخ أحمد الغزي غالب الصحيح بالجامع الأموي بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الأربعة، وعلى الشيخ مصطفى بن سوار أول صحيح مسلم، وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وبعض ثلاثيات أحمد، وحج سنة ثمان وأربعين، فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة، وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق اللبدي وطه بن أحمد اللبدي ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم، ومن شيوخه الشيخ محمد الخليلي سمع عليه أشياء والشيخ عبد الله البصروي سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالأصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة وقرأ عليه أشياء، واجتمع بالسيد مصطفى البكري فلازمه وقرأ عليه مصنفاته، وأجازه بما له وكتب له بذلك، وله شيوخ أخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني في مجلدين، وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم، وشرح نونية الصرصري الحنبلي سماه معارج الأنوار في سيرة النبي المختار، وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، والبحور الزاخرة في علوم الآخرة، وشرح الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الأثرية، ولوائح الأنوار السنية في شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخاً ذا شيبة منورة مهيباً جميل الشكل ناصراً للسنة قامعاً للبدعة قوالاً بالحق مقبلاً على شأنه مداوماً على قيام الليل في المسجد ملازماً على نشر علوم الحديث محباً في أهله، ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين إلى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس، وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الأسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله رحمة واسعة.
ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن عبد السلام الشرفي المغرب الأصل المصري المولد، وكان والده شيخاً على رواق المغاربة بالجامع الأزهر، ومن شيوخ الشيخ أحمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات ومشاركة حسنة، وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الإخوان ومكارم أخلاق، ويدعو الناس والعلماء في المولد النبوي إلى بيته بالأزبكية، ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب السكر، وكان لديه فوائد وآثر حسنة، توفي سابع عشر ربيع الأول من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله.
ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي، تفقه على الشيخ سلمان المنصوري والشيخ أحمد بن عمر الاسقاطي إلى أن صار يقرأ درساً في المذهب، ولم يزل ملازماً شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة، وقد ناهز الثمانين رحمه الله.
ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون، وكان يعرف بالطويل وكان إنساناً صالحاً ناسكاً ورعاً، توفي فجأة في الحمام ثاني عشر الحجة عن سبع وثمانين سنة.
ومات العمدة الفاضل الأديب الماهر الشيخ علي بن أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي، وهو أخو الشيخ أحمد العطشي، وكان له مذاكرة حسنة، وحضر على الشيخ الحنفي وغيره، وكان نعم الرجل، توفي في جمادى الآخرة.
ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني الوفائي باش جاويش السادة الأشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي عنه حكايات مستحسنة وغرائب، وكان متقيداً بالسيد محمد أبي هادي الوفائي في أيام نقابته على الأشراف ولديه فضيلة وفوائد، توفي هذه السنة عن نحو ثمانين سنة.
ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر الثمانين.
ومات الجناب المكرم الأمير أحمد أغا البارودي وهو من مماليك إبراهيم كتخدا القازدغلي، وتزوج بابنته التي من بنت البارودي، وسكن معها في بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق، وولد له منها أولاد ذكور وإناث، ومنهم صاحبنا إبراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره. تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية، وكان إنساناً حسناً صافي الباطن لا يميل ضبعه لسوى عمل الخير، ويحب أهل العلم وممارستهم، وكان له ميل عظيم واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعةة مع غاية الأدب والامتثال، ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاه وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية، وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده، فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه، والتمس منه أن يقيد به بعض الكلبة ليقرئه شيئاً من الفقه والدين، فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي، فكان يذهب إليه ويطالع له القدوري وغيره، وكان يكرمه ويواسيه، ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابع جمادى الأولى من السنة، وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الأبهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها.
ومات الأمير الصالح خليل أغا مملوك الأمير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو أستاذ الأمير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم، وجيء به ميتاً في عشية نهار السبت حادي عشرين جمادى الثانية من السنة، فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان إنساناً ديناً خيراً محباً للعلماء والصلحاء.
ومات الأمير إسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدي وكان إنساناً خيراً صالحاً توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية.
ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الأشراف بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريباً وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله.
ومات الأمير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو، وكان حافظ لكتاب الله موفقاً وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والأشراف ويحسن إليهم. توفي ليلة الاثنين عشرين ربيع الأول، وصلى عليه بالأزهر ودفن بالمجاورين.
ومات الأمير مصطفى بك الصيداوي تابع الأمير علي بك القازدغلي. وكان سبب موته أنه خرج إلى الخلاء جهة قصر العيني وركض جواده فسقط عنه ومات لوقته، وحمل إلى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة، وذلك في منتصف ربيع الأول من السنة.
ومات الأمير علي أغا أبو قوره من جماعة الوكيل، سادس عشر ربيع الأول سنة تاريخه.
ومات الأمير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية، وكان صاحب بشاشة وتودد وحسن أخلاق. توفي رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202.
ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر، وهو والد عبد الله ومصطفى. توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلى.